تفسير القرآن
الماعون

 الماعون
 

سورة الماعون
مكية، وآياتها سبع
الآيات 1-7

في أجواء السورة

تضاربت الروايات حول مكان نزول هذه السورة، هل هي مكية بتمامها أم مدنية، أم أنّ بعض آياتها مكي والآخر مدني؟ قيل: إنها مكية في آياتها الثلاث الأولى، ومدنية في آياتها الأربع الباقية، واحتمل البعض أنها مدنية بجميع آياتها. لأنها تعالج موضوع المنافقين الذين كانت نماذجهم هي العنصر القلق المزعج في المدينة. وفي روايات أنها نزلت في أبي جهل وكفار قريش، ما يعني أنها مكية بتمامها.

وقد عالجت هذه السورة النموذج القلق للإنسان الذي يكذّب بالدين، وهو الجزاء الذي يجعل الإنسان الواعي لمعناه منفتحاً على المسؤولية عن كل الواقع الذي يحيط به، وعن كل الناس الذين يحتاجون إليه، ما يجعل من التكذيب به، سواء كان عقيدياً أو عمليّاً،، حالةً إنسانيةً قلقةً في الخطّ الواقعي العملي عندما يبتعد به ذلك عن الإحساس بالمسؤولية، فإذا عاش اليتيم معه، فإنه يؤذيه ويدفعه بعنفٍ لئلاّ يتحمّل مسؤوليته، وإذا رأى مشكلة المسكين وهي تتفاعل بالمأساة وتتفجّر بالآلام، فإنه لا يتحرك نحو حلّ هذه المشكلة، ولا يدعو الآخرين إلى الاندفاع نحوها.

وتلك هي مشكلة الناس الذين لا يريدون من الدين إلاّ الصورة البارزة التي تبقى في حياتهم على مستوى السطح، ولا تصل إلى مستوى العمق، فإذا صلّوا فإنهم يصلّون رياءً، دون أن يتأثروا بأجواء الصلاة التي تدعوهم إلى الرحمة من خلال انفتاحها الروحي على رب العالمين الرحمن الرحيم، ويمنعون عن التأثر بها، فيمنعون المعونة التي يملكونها عن عباد الله.

ــــــــــــــــ

الآيــات

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ* فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (1ـ7).

* * *

معاني المفردات

{يَدُعُّ}: الدعّ: الدفع بشدة.

{يَحُضُّ}: الحضّ: الحث والتحريض.

{الْمَاعُونَ}: كل ما فيه منفعة.

* * *

أحوال المنافقين

{أَرَأيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} من هؤلاء المنافقين الذين لا يؤمنون بالجزاء في يوم القيامة، أو لا يؤمنون بالدين كله في عقيدته وفي شريعته التي تدعو إلى أن يحمل الإنسان مسؤوليّة الفئات المحرومة في الأمة، ليمنحهم، من جهده، ومن ماله، ومن جاهه، الإمكانات المادية والمعنوية التي يستطيعون من خلالها الحصول على العيش الكريم، فلا يستجيبون لهذه الدعوة، بل يتمرّدون عليها في ما يأخذون به من أسباب النفاق التي ترتكز على الارتباط بالشكليات الدينية، التي لا تكلّفهم الكثير من جهدهم المالي أو المعنوي الذي قد يثقل عليهم بنتائجه، ولو كانوا قد استجابوا لتلك الدعوة، لابتعدوا عن النفاق. أرأيت يا محمد، ويا كلَّ من يتحرك في الحياة على خط محمد(ص)، هذا الإنسان كيف يتحرك في المجتمع، وكيف يعبّر عن واقعه الداخلي، وكيف يكذّب عمله ما يدّعيه من الإيمان في الصورة الخارجية من حياته؟

* * *

المنافق ينهر اليتيم

هل تريد أن تكتشفه فلا يخفى عليك أمره، ولا يغش الناس بنفاقه؟ {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} فلا يخاف الله، ولا يتقيه في أمره، فتراه يدفعه بعنف، ويردّه بقسوة، ويجفوه بشدّة، من دون خوف من عذاب الله، لأنه لا ينظر إلى الأمور من خلال نتائجها الأخروية ليمنعه ذلك عن التصرف السيّىء الذي ينذر بالعاقبة السيئة في الآخرة، بل ينظر إلى الأمور من خلال نتائجها الدنيوية الخاضعة في حساباتها لموازين القوّة والضعف، ما يجعله يهاب الأقوياء ويستضعف الضعفاء.

* * *

ولا يتحسّس شقاء المحرومين

{وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} فلا يتحسّس حرمان المحرومين، ولا فقر الفقراء، ولا شقاء المساكين، بل يعيش القسوة التي لا تتأثر بأيّ مظهر من مظاهر البؤس، ولا تتحمل أيّة مسؤولية تجاه أهله في التخفيف عنهم والإعانة لهم، إمّا بالمساعدة المباشرة في ما يملكه من إمكاناتها، أو بالمساعدة غير المباشرة، في حضِّ الآخرين ودعوتهم إلى تحمّل مسؤولياتهم تجاه حلّ مشكلتهم التي هي مشكلة إنسانيةٌ، كما هي مسؤولية إلهيَّةٌ في ما يفرضه الله على الناس من ذلك.

* * *

ويلٌ للمصلين الساهين المرائين

{فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} أي غافلون، في ما تمثله الغفلة من حالة اللامبالاة المنطلقة من فقدان الشعور بأهميتها في مضمونها العبادي المنفتح على الله، ولذلك فإنهم قد يهملونها بالكليَّة حتى يخرج وقتها، وقد يستخفّون بها فيؤدونها بشكلٍ غير صحيح، أو يؤخرونها إلى آخر الوقت، أو ما يشبه ذلك من الأفعال التي توحي بالاستهانة بها على أكثر من صعيد، لأن المسألة عندهم، هي في قيمة الشكل، لا قيمة المضمون، لأنها لا تمثل بالنسبة إليهم عبادةً نابعةً من الإحساس بالعبودية في شخصيتهم، بل هي مظهرٌ للانتماء الشكلي إلى الإسلام في مواقعهم ومواقفهم.

{الَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ} فيصلّون أو يعملون الخير، أو يتحركون في اتجاه الأعمال العامة، ليراهم الناس وهم يفعلون ذلك، لا ليرضى الله عنهم، فهم لا يعيشون عمق المعنى الروحي أو العبادي للعمل الصالح، بل يتحركون في سطحه الظاهر البعيد عن كل عمقٍ في ما هي العقيدة والإيمان.

{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} وهو المعونة التي يقدمها الناس إلى بعضهم البعض مما يحتاجون إليه في حياتهم، كالقرض يقرضه الإنسان، والمعروف يصنعه، والمتاع يعيره، ونحو ذلك.