تفسير القرآن
قريش

 قريش
 

سورة قريش
مكية، وآياتها أربع
 الآيات 1-4

هل هذه السورة مستقلّة؟

قيل: بأن هذه السورة من توابع سورة الفيل، فهما سورة واحدة، لأن الموضوع فيهما واحد، وهو الحديث عن البيت الذي حماه الله من أصحاب الفيل، وعن ربِّ البيت الذي أنعم على الساكنين إلى جوار هذا البيت، فأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. وقد وردت بعض الروايات من طريق أهل السنّة، بأن أبيّ بن كعب لم يفصل بينهما بالبسملة في مصحفه، وعن عمر بن الخطاب بأنه قرأها في ركعة واحدة، ورُدّ ذلك بالمعارضة بالرواية التي تنقل أنه أثبت البسملة بينهما، وبأن الراوي قد لا يكون قد سمع البسملة الفاصلة منه بينهما، أو يكون قرأها سراً، وقد روي عن النبي(ص) ما ينافي الوحدة، فقد ذكر(ص) أن الله أنزل إلى قريش سورةً لم يذكر فيها أحداً غيرهم وهي سورة الإيلاف، مع ملاحظة أن الفصل بينهما بالبسملة متواترٌ، وقد وردت بعض الروايات من طريق أهل السنة عن أئمة أهل البيت بالوحدة، ولكنها معارضة بغيرها، أو غير ظاهرة في ذلك.

ــــــــــــــــــ

الآيــات

{لإِيلافِ قُرَيْشٍ* إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خوْفٍ} (1ـ4).

* * *

معاني المفردات

{لإِيلافِ قُرَيْشٍ}: الإيلاف: إيجاب الإلف بحسن التدبير والتلطّف، يقال: ألف يألف إلفاً وآلفه يؤلفه إيلافاً إذا جعله يألف. فالإيلاف: نقيض الإيحاش ونظيره الإيناس.

* * *

إيلاف قريش وسعة عيشهم

{لإِيلاِف قُرَيْشٍ} أي من أجل إيلاف الله قريشاً، في ما يريد أن يمتنّ عليهم ويجعل لهم ذلك إلفاً يألفونه، في ما يعتادون عليه من أوضاع الاستقرار الاقتصادي والأمني، {إِيلافهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ} التي أكدت لهم حياة الرخاء والرفاهية بالرغم من جفاف بلادهم وفقرها، فقد هيّأ الله لهم السبيل إلى رحلة تجارية ضخمة إلى اليمن في الشتاء، وإلى رحلة تجارية إلى الشام في الصيف، ما جعل لبلدهم الأهمية الاقتصادية في المنطقة، بالإضافة إلى الأهمية الدينية، فعاشوا في رخاء وسعةٍ وهناء...

* * *

العبادة شكرٌ لنعم الله

{فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} الذي جعله آمناً للناس في الوقت الذي كان الناس يتخطفون من حوله، ويعانون الكثير من ألوان البؤس والشقاء، {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنهم مِّنْ خوْفٍ} في ما جعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم، وما هيّأه لهم من فرص التبادل التجاري مع المناطق الأخرى انطلاقاً من بركة البيت عليهم، من خلال طبيعة الوجاهة التي حصلوا عليها في الناس من خلاله {وآمَنَهُم مِّنْ خوْفٍ} بملاحظة ما جعله الله من حرمة هذا البيت، فلا يعرض له أحدٌ بسوء.

وإذا كان الله يأمرهم بعبادته، فلأنّ العبادة تمثل لوناً من ألوان الشكر على هذه النعمة المزدوجة: الأمن والرخاء، إلى جانب النعم الوفيرة الأخرى التي يتقلبون فيها بكل ما تختزنه الحياة من الخيرات في حركة وجودهم، ولأن العبادة هي العنوان الذي يمنح هذا البيت قدسيته وروحيته ومعناه، في ما يطوف الناس به كرمزٍ للطواف حول المواقع التي يرضاها الله ويحبها، وفي ركوع الراكعين وسجود الساجدين حوله، امتثالاً لأمر الله، وتأكيداً للإقرار بتوحيده، ورفض كل الأوثان التي يعبدها الناس من دونه تعالى، ليخرجوا في أجواء عبادته من أجواء عبادة الأصنام، لينزِّهوا أنفسهم عن ذلك، وليطهّروا البيت منها، كما أراد الله لإبراهيم(ع) وإسماعيل(ع) أن يطهِّرا هذا البيت منها، للطائفين والرُّكّع السجود.

ولأن العبادة هي الحركية الروحية الإنسانية التي يعيش فيها الإنسان الروح المتحررة من كل عبودية لمن حولها ومِنْ حولها من خلال الشعور بأصالة الإنسان أمام كل الموجودات، واستقلاله عنها، فليس لشيء منها أيّة سلطة عليه، في أيّ شأن من شؤونه.. لأن الله ـ وحده ـ هو سيد الكون الذي تقف كل الموجودات ـ بما فيها الإنسان ـ لتكون عبيداً له، من موقع خلقه لهم، وتدبيره لشؤونهم، وحاجاتهم إليه في كل شيء، واستغنائه عنهم في كل شيء.