الأسئلة والأجوبة
التاريخ والسيرة / الشعائر الحسينية

المواكب الحسينية:
*
نرجو بيان رأيكم في المواكب الحسينية، ومسألة اللطم والبعد الجماهيري في شعائر الحسين؟


 ـ إن رأينا في هذه المسألة هو أن من الضروري أن تبقى القضية الحسينية متحركة في التعبئة الجماهيرية الواسعة بكل الوسائل التعبوية، لأن القضية الحسينية كالقضية الإسلامية لابد من أن يتزاوج فيها العقل والعاطفة، ولابد أن يتزاوج فيها الإيمان والحس، وكما أننا نحتاج إلى البراهين العلمية وإلى الجو العلمي من أجل تنمية الأفكار في عقولنا، نحتاج كذلك إلى الأساليب العاطفية من أجل تعميق العاطفة في إحساسنا ومشاعرنا. ونحن نصرّ على بقاء العاطفة في كل قضية تتصل بالجانب العقيدي لأنه لا العقل وحده ولا الفكر وحده بقادرين على تخليد أي مبدأ، ولهذا فثمة فرق بين الفكر وبين الإيمان، الفكر يبقى معادلة في العقل، وإذا بقي معادلة في العقل فقد لا يسيطر على كيان الإنسان ونحن نسأل: متى ينطلق الفكر ليهز كيان الإنسان؟ والجواب، عندما يقود الفكر إلى الإيمان، ذلك أن الإيمان فيه شي‏ء من العاطفة وشي‏ء من العقل، ولذلك فنحن نعتقد أنه لابد من أن تبقى قضية الحسين(ع) تتحرك في إطار التعبئة الجماهيرية العاطفية إلى جانب التعبئة الفكرية العقلية.
وعلى ضوء هذا فإننا نعتقد أن المواكب الحسينية بكل أشكالها المشروعة ضرورة، كما أن البكاء يعتبر حالة إنسانية طبيعية لابد أن نثيرها بالوسائل التي يمكن للإنسان أن يتأثر بها، لأن قضية أن تبكي قد لا تكون اختيارية بالنسبة للإنسان وقد لا تحصل إلاّ من خلال استحضار للعناصر التي تثير العاطفة، فلو قيل لك ابكِ على أي شخص فلن تستطيع أن تبكي بكاءً حاراً فربما تنزّل بعض الدموع ولكن هذا ليس بكاءً، بل أن يبكي قلبك فينطلق بكاء القلب إلى بكاء العين وإلا فذاك تباكي أو تمثيل كما يقول (المتنبي) إذا اشتبكت دموع في خدود... تبيّن منْ بكى ممن تباكى (فالذي يبكي لا يقبل أن يمسك دموعه لكن الذي يتباكى يعصر دمعة هنا ودمعة هناك، فنحن نعتقد بأن البكاء ضرورة في مأساة كربلاء، ولذلك فلا يجوز أن تقول إن علينا أن نجمّد مسألة البكاء لأن البكاء يغسل المأساة ويغسل القلب، لكن علينا أن نبكي على طريقة ذلك الشاعر:
(تبكيك عيني لا لأجل مثوبة...... لكنّما عيني لأجلك باكية) لتنطلق من خلال حبك للحسين وحبك للصفوة الطيبة من أهل بيته وأصحابه وتفاعلك مع المأساة لتبكي. وهكذا نأتي إلى مسألة اللطم، فاللطم أسلوب إنساني أيضاً والناس عادة يلطمون أمام المأساة ولكن نريد أن نتحدث عن فلسفة اللطم، فلماذا يلطم الناس؟ إنّ اللطم إنما هو تعبير إنساني عن الحزن، إن اللطم شأنه شأن البكاء فكما أن البكاء لابد أن ينطلق من عاطفة ليكون تعبيراً عن الحزن فالمفروض في اللطم أن ينطلق من عاطفة، بحيث عندما يلطم الإنسان فإنه يعيش هذه العاطفة ليكون اللطم عنده تعبيراً عن الحزن، نعم هناك تحفّظ شرعي في هذا الموضوع فبحسب رأينا الاجتهادي فإن الإضرار بالنفس حرام حتى لو لم يؤدِّ إلى التهلكة. ولقد تحدثت في هذا الموضوع أكثر من مرة، فلو جئت بشفرة لتجرح نفسك وتضع بعد ذلك دواء ليندمل الجرح، أو لو خرجت وأنت في حالة تعرق ولفحك الهواء البارد فأصبت بالحمى، فحتى لو شفيت بعد يومين فهذا حرام لأنه تعريض النفس للضرر، والإضرار بالنفس ظلم للنفس وظلم النفس محرّم {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}(النحل:118)، وعلى هذا الأساس فنحن نقول بأنه يمكن للإنسان أن يلطم بحسب ولائه وبحسب محبته لكن بشرط أن لا يكون اللطم مضرّاً بالجسد بحيث يدمي الجسد أو أنه يصيب رئة الإنسان أو ما أشبه ذلك، هذا هو الأمر وبعد ذلك فكل شي‏ء حلال، ولقد كان موقفي بالنسبة لكل الحالات الأخرى مستنداً إلى الجانب الشرعي في الرأي الاجتهادي بالإضافة إلى العناوين الثانوية. ولذلك فنحن نطلب من كل اخواننا أن يفكروا في القضايا تفكيراً عقلانياً، علمياً، شرعياً، لأن التفكير بطريقة انفعالية ومن غير حوار أو مناقشة لا يوصل إلى نتيجة نافعة لذلك فإني أقول لنفسي وأقول لكم لنفكر بعقولنا، لقد جعل الله العقل حجة للإنسان أمام ربه فلننطلق ليكون العقل هو الطاقة المقدسة، لأن «العقل رسول من باطن كما أن الرسول عقل من خارج» لنعالج به أمورنا بمسؤولية.


التطبير:
*
ما هي المصلحة في إثارة مسألة التطبير من قبلكم ومن قبل آية الله العظمى السيد (الخامنئي)؟


 ـ في الواقع أننا لسنا أول من أثار المسألة فالسيد (محسن الأمين) أثارها بطريقة علمية، وكانت الغوغاء قد أثارت الموضوع ضده ولم يردوا عليه بشكل علمي.
والسيد (أبو الحسن الأصفهاني) رحمة الله عليه وقف مع السيد (محسن الأمين) والسيد (مهدي القزويني) في البصرة، والسيد (البروجردي) في أحاديثه الخاصة، والسيد (الخمينيّ) كذلك، فلسنا أول الناس في ذلك.
فحتى (السيد الخوئي) كان يفتي بحرمتها في كتاب «المسائل الشرعية» التي نشرتها الجماعة الإسلامية في أميركا، وكندا، فلقد سئل عن التطبير وضرب السلاسل، هل يجوز؟ فقال: إذا أوجب هتك حرمة المذهب فلا يجوز، قالوا: كيف ذاك؟ قال: إذا أوجب سخرية الناس الآخرين.
فنحن نشعر أن هذا يمثل مظهر تخلف في الوجه الشيعي الإسلامي ونحن نشعر أن من واجبنا أن نفتي بذلك، ونحن نعرف إننا سنواجه التخلف والعواطف الثائرة ونحن مستعدون لمواجهتها بكل قوة وصلابة.
وإذا كان لدى الإنسان فكرة في التنبيه على خطأ ما، فلسنا معصومين فليتفضل بمناقشتها، أما مجرد غوغاء، فالغوغاء تذهب أدراج الرياح، فكم كانت قيمة الغوغاء أمام رسول الله(ص)، ونحن تراب أقدامه وكم كانت قيمة الغوغاء أمام علي(ع) ونحن تراب أقدامه، وذهبت تلك الغوغاء وبقي رسول الله وبقي علي.
إن مسألة التطبير إذا ما درست من الناحية الفقهية وبالعنوان الأوليّ، فإننا سنعرف لماذا أفتى بعض العلماء بالحلية، وعلى أي أساس استند العلماء الذين أفتوا بالحرمة.
فلقد دار جدل فقهي بين العلماء حول المسألة: هل أن الإضرار بالنفس محرّم في ذاته حتى لو لم يؤدِّ إلى التهلكة؟ أو أن الإضرار بالنفس ليس محرماً إلا إذا أدى إلى التهلكة؟
إن أغلب العلماء يرون أن الأضرار بالنفس ليس محرماً إلا إذا أدّى إلى التهلكة، وهو رأي (الميرزا النائيني) و (السيد الخوئي) و (السيد الحكيم) (رض) وجماعة من العلماء الآخرين.
وهناك رأي آخر يقول، أن الإضرار بالنفس محرم إلا إذا كانت هناك مصلحة، لذلك فلا يجوز أن تضرب رأسك تحت أي اعتبار كما لا يجوز أن تقلع عينك أو تقطع يدك حتى لو لم يؤدِّ ذلك إلى التهلكة، وحسب هذا الرأي لا يمكن أن يتحوّل الإضرار بالنفس إلى شعار، فلا بد للشعار أن يكون حلالاً في ذاته، وعلى ذلك فإن مسألة الإضرار بالنفس محرّمة حتى لو لم تؤدِ إلى التهلكة لأن المسألة عقلانية، ذلك أن الإضرار بالنفس قبيح عقلاً.
نعم في بعض حالات الجهاد تختلف المسألة، فإن الله جعل الجهاد لمصلحة حفظ الأمة وحفظ الوطن، إن الوقوف بوجه الأعداء أهم من حفظ الذات، ولكن لا يعني ذلك جواز انتحار الإنسان، فالفرق واضح بين ذلك وبين العمليات الاستشهادية التي يخوضها المقاومون.


»السفير» وفتاوى الشعائر الحسينية:
*
دار جدل واسع حول ما نشرته جريدة «السفير» حول فتاواكم الجديدة في الشعائر الحسينية، فما هو رأيكم باللطم والمسيرات؟


 ـ إن رأيي هو أنّ كل أسلوب إنساني حضاري يعبّر عن الحزن بطريقة هادئة إنسانية فهو ضروري في قضية الحسين(ع)، إن هناك كتاباً صدر لي وهو عبارة عن مجموعة محاضرات سابقة )من وحي عاشوراء) وفيه موضوع (صلة العاطفة بالقضية الحسينية) فدونكم فاقرأوه!.
وأنا أؤكد أن العاطفة هي قلب القضية الحسينية ولا يجوز أن نغفل العاطفة، وعلينا أن نطوّر أساليب التعبير عن العاطفة حتى تواكب كل تقدم وكل زمن.
 
إن اللطم الهادئ هو الذي تلطم صدرك فيه وأنت تستحضر المأساة، فكل ما يكون تعبيراً عن الحزن من دون أن يضرّ الإنسان في بدنه فهو جائز.
وثمة نقطة أخرى، وهي هل أننا نريد أن نعيش في زوايانا أو نريد للعالم أن يعيش قضايانا؟ إننا نريد طرح قضايانا الأساسية التي ورد بعضها من الله سبحانه وتعالى ورسوله ومن أئمة أهل البيت(ع) وصحّت، فإذا قال كل الناس عنها أنها خرافة فإننا نقول إنها حقيقة، لأنها صدرت عمن يعطينا الحقيقة.
لكن إذا لم يأت نص من الله ولا من رسوله ولا تخطيط من قبل العلماء، فعلينا أن نناقشها بعقل هادئ بارد، فتارة نريد أن نعيش الإسلام بطريقة غير مفهومة ونقدمه للعالم بطريقة غير واضحة، وتارة نريد أن نقدم الإسلام بطريقة حضارية..
فلقد قلت في مقابلتي ل «السفير» و «النهار» في عاشوراء، يجب أن ندخل قضية الإمام الحسين(ع) إلى المسرح الحديث، ولابد أن نبحث عن مخرجين وممثلين من الدرجة الأولى بحيث يصورون لنا عمق الواقعة وروحيتها حتى إذا قدمناها للعالم يعرفون ما هي قضية الحسين.
فلكل عصر أساليبه في التعبير، ولكل عصر وسائله التعبيرية الخاصة، فلا نكتفي بالعاطفة وحدها وإنما نطورها، فهذا الجيل الذي بيننا سيتعلم في الجامعة، فيجب أن نقنعه بطريقة عقلية وحتى في الجانب الشرعي، فمن هو الذي يعالج هذه المسائل بطريقة شرعية، فواحد رأى مناماً ما وآخر ينقل قصة لا تعرف من الراوي فيها، وكأنها أصبحت حقيقة.
إننا نعتبر أنفسنا المسؤولين عن الإسلام والتشيع، ومن يريد أن يتكلم فليتكلم، فنحن تراب أقدام أمير المؤمنين الذي سبّوه سبعين سنة على المنابر، وأنا أرى أنّ من واجبي أن أبيّن القضايا التي تجسّد الإسلام المشرق وخط أهل البيت المشرق، وليرض من يرضى وليغضب من يغضب.