تفسير القرآن
المائدة / من الآية 36 إلى الآية 37

 من الآية 36 الى الآية 37

الآيتــان

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا في الأرض جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ}(36ـ37).

* * *

معاني المفردات

{لِيَفْتَدُواْ}: ليجعلوه فدية لأنفسهم، قال الزمخشري: وهذا تمثيل للزوم العذاب لهم، وأنَّه لا سبيل لهم إلى النجاة منه بوجه[1].

* * *

لا فدية للكافرين يوم القيامة

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} وابتعدوا عن الله بفكرهم وروحهم وحياتهم.. هؤلاء الَّذين لم يشعروا بالحاجة إلى أن يفتحوا لأنفسهم طريقاً على الله ليحسوا بوجوده في داخلهم، وليراقبوا خطواتهم العملية في الحياة، ما مصيرهم في الآخرة؟ هل ينفعهم ما حصلوا عليه في الدنيا من مال أو جاه أو شهوة؟ وهل يخلّصهم ذلك كله من عذاب الله كما كانوا يفعلون في الدنيا إذا وقعوا في مأزق أو مصيبة حيث يفتدون ذلك بأموالهم؟ ولكن ما قيمة مالهم؟ {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا في الأرض جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ} فلا قيمة له ولا نفع له، لأنَّ ذلك هو ما يتعامل به أمثالهم من النَّاس في الدنيا، فيتنازلون عمّا لهم من حقوق في مقابل مال يحصلون عليه أو جاه يخضعون له، ولكنَّ الله الغني عن عباده في وجودهم وفي كل شيء يحيط بهم، لا يُتعامل معه بهذا الأسلوب، إذ ليس هناك إلاَّ طاعته والإنابة إليه، وهما السبيل إلى الحصول على رضاه والبعد عن عقابه، {مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ} مهما قدّموا من مغريات، {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فتفاجئهم النَّار الّتي كانوا في غفلة عنها، ويتعاظم لديهم الشعور بهول المصير، فـ {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} فيلتفتون يُمنة ويسرة، لعل هناك طريقاً للفرار، أو منفذاً للهرب، ولكنَّهم عبثاً يحاولون، لأنَّ الطريق مسدودة من جميع الجوانب، فقد أطبقت عليهم النَّار من كل جهاتهم، فتتحطم كل محاولاتهم للخروج، فهذه دار خلود لهم، وأيُّ خلود هذا؟! إنَّه ليس الخلود الَّذي يحلم به الحالمون! إذ لا مجال فيه للحياة السّعيدة، ولا للموت، حيث يستريحون من مشاكلهم وآلامهم الّتي تواجههم، بل هي الحياة التي تشبه الموت في عدم الإحساس بطعمها اللذيذ، وهو الموت الَّذي لا يعفي الإنسان من الوقوع تحت قبضة الآلام والعذابات الّتي تحفل بها الحياة، {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيم}.

ــــــــ

(1) تفسير الكشاف، ج :1، ص:610.