آراء أخرى
أفكارٌ للعبور من محمد حسين فضل الله إلى الضفة الأخرى
في الرابع من تموز / يوليو 2010، رحل عن هذه الدنيا محمد حسين فضل الله. بعده، انفجرت المنطقة على صراعاتٍ لم تضع أوزارها حتّى لحظة كتابة هذه السطور؛ هذه المرحلة التي ستشكّل بالنسبة إلى هذه المقالة نقطة البداية رجوعاً إلى الوراء لتلمّس القضايا التي شكّلت جدلًا في حركة «السيّد». ليس الغرض من ذلك هو إثبات استشرافيّة «السيّد» للمرحلة كلونٍ من التبجيل، ولكن لاعتقادنا بأنّ الوقوف على طبيعة النتاج ــــــــــ بقراءة مستجدّة ـــــــــ يمكن أن يحدّد الثوابت الأساسيّة، في الوقت الذي يمكن أن يشكّل جسر عبورٍ لتجاوز أزمات المرحلة إذا ما خلصت النوايا. لم يكد يمضي على الرحيل عامٌ حتّى تحرّك…
عمامةٌ صنعت أجيالاً ونصراً لا كلماتٍ مرتبكةً
كنتُ أعتقد أنّني، وأقلّه في المدى المنظور، لست بحاجة لأكتب مجدّداً في موضوع السيّد فضل الله والحالة التي بات يعرفها القاصي والداني، والتي امتدّت قرابة خمس عشرة سنة من حياة السيّد فضل الله، وعشر أُخَر بعد وفاته، وهي ستستمر، بغضّ النظر عن استِعارها أو خمودها... وهذا ما نحن بصدده اليوم، وكأنّي بهم واحداً تلو الآخر يسقطون على طريق سلكه قبلهم كثيرون فطواهم التاريخ إلى غير رجعة. وعلى مذبح ممّا لا تُحمد عُقباه. فلا تُذكر لهم مأثرة، وإنْ ذُكِروا فلأجل إثارة الفتن ليس إلا... طالعنا بالأمس أحدُهم، متّخذاً صفة تخولّه تصنيف الناس أو كتابة تاريخ لبنان وحركاته الم قاومة، مقسّماً إياه،…
الكورونا بين العلم والدّين
السيد جعفر فضل الله* العالم كلُّه يعيش تحت وطأة زلزالٍ حقيقيٍّ اسمُه فيروس كورونا. وهذا الزلزالُ أصاب البشريّةَ في كلّ مجالات حياتها؛ إذ لا تقتصر ارتداداتُه على الجانب الصحّيّ أو الطّبّي أو الاقتصاديّ فحسب، وإنّما يثير أيضًا كثيرًا من الأسئلة الكبرى أمام المنظومات التي تتحرّك في هذا العالم، بما يُشبه عمليّةَ "غربلةٍ" للأوضاع القائمة والمتراكمة على مدى سنين، بحيث نَخْلص في مآلات الأمور إلى فرزٍ يَسمح بتحديد مستقبل البشريّة على كوكبنا. ثمّة أسئلةُ مصيرٍ كبرى تفرض ذاتَها اليوم، وتبدو على صهوة ضعفٍ بشريّ، على الرَّغم من الجبروت المدَّعى والاستعلاءِ والتألّهِ المصطنع. ولا نتحدّث هنا عن أفرادٍ فحسب، في أثواب رؤساءِ…
أن تكون صاحب دِين أو لا تكون
والله، إنّ الدين أمر صعب مستصعب؛ أن لا تغتاب، وأن تدفع بالتي هي أحسن، وتقول التي هي أحسن وأنت في قلب الانفعال، وأن تكون منصفًا حتى مع خصمك، عادلًا حتى مع نفسك والأقربين، أن لا تأكل المال الحرام مع الفاقة، وأن تنصر المظلوم، وتقول كلمة حق في وجه سلطة جائرة تهددك بالإبعاد، أو تنشر حولك الأكاذيب.. الدين سهل من باب العصبية، لأنه يصبح رهنَ الهوى؛ فتغتاب الإنسان بهدف الإصلاح، وترتكب الأسوأ لأنه ردع للخصم، وتختار الكلمات النابية لأنها تبهت الآخر، وتترك الإنصاف لأنه إغراء للخصم بالمزيد، وتجانب العدل لأنه إهانة للنفس والعِرض.. والرشوة تصبح هدية، وتدع نصرة المظلوم لأنه تتحول…
النعمة الكبرى في وجودنا
ذكرنا في ما سبق أنّ نفخة الروح التي أعطت للطّين معناً هي التي منحت الإنسان القابليّة لتواصل الإنسان معه. وهذا الأمر ليس قضيّة هامشيّة في معنى وجودنا، وإنّما هو نعمة كبرى، بل أكبر النّعم التي حبانا الله تعالى بها. ما هو أعظمُ من أن يملك الإنسان القدرة في التواصل مع الله، وفي الاتّجاهيْن، حيث يكلّم الله تعالى الإنسان من دون واسطة، كما بيّن الله ذلك في قصّة موسى (ع)، فيقول الله: {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء : 164]، {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي} [الأعراف : 144] ، أو بواسطة من خلال الوحي أو الرسول: {وَمَا كَانَ…
ما هو الإنسان؟
السيد جعفر فضل الله الجواب على هذا السّؤال ضروري؛ لأنّه يحدّد لنا الرؤية التي علينا أن ننظر بها إلى وجودنا في هذه الحياة، ويحدّد – تبعًا لذلك – الطريق الذي يجب علينا سلوكه فيها، والطريقة التي نعيش بها حياتنا، والحدود التي يجب أن نضعها كخطوط حمراء لا نتجاوزها. كثيرون منّا قد يجدون أنفسهم في الحياة، فلا يُتعبِون أنفسهم بالتوقّف للحظة وأخذ مسافة من وجودهم، وإنّما يُلقُون أنفسهم في تيّارها الجارف، وفي ماكينتها الكبيرة، ولذلك يتقَوْلبون بقالبها، ويسيرون في اتجاهاتها، غير مُدركين أنّهم إذا فعلوا ذلك فإنّما يحكمون أنفسهم برؤى آخرين للإنسان والحياة، أولئك الذين باتوا يتحكّمون بنتاج العصر، في اجتماعياته…
أما آن لهذا الحزن أن ينقضي؟!
السيد جعفر فضل الله سؤال يتكرّر: لماذا نصرّ على إحياء عاشوراء في كل عام؛ ونصرفُ في سبيلها الوقت والجهد والمال؟ أما آنَ لعاشوراء أن تستريح، وللحزن فيها أن يبرد؟ الجواب على ذلك يتمحور في نقاط: كيف يتحوّل الزمن إلى مناسبة؟ ذلك عندما يتلوّن هذا الزمن بحدثٍ أو بقيمة كبيرة ترتبط بوجودنا، برؤيتنا، بقيمنا المستمرّة معنا. عندئذٍ يستوقفنا زمان الحدث أو القيمة ليشكّل بالنسبة إلينا فرصة للتذكّر. قال تعالى: (وذكّرْهُم بأيّام الله)، وآيات عديدة بيّنت أنّ (الذكر) و(الذكرى) و(التذكّر) هي واحدة من الغايات الكبرى التي قصّ الله لأجلها القصص وأنزل الآيات والعبَر. بالتالي: ما تذكّره في المناسبة الزمانية هو العبرة والقيمة…
ملاحظات منهجية على قضية علم النبي (ص) والإمام (ع)
 إنّ كل رواية تخالف نصًّا قرآنيًّا تسقط بالبداهة... لأنّ الظنّي لا يعارض اليقيني. فلا حجّية لأيّ رواية في العقائد - حتى لو لم تُخالف القرآن - لأنّ الحجّية معناها (وجوب الجري العملي التعبدي وفق الرواية الموثوقة... بحيث يستحقّ الممتثل الثواب والعاصي العقاب) في حين أنّ العقائد ليست أمورا تعبّدية... بل اعتقادات تتولّد من البراهين والأدلّة... نعم فكثيرًا ما يحصل العلم من الروايات في تفاصيل العقائد التي لا تخالف العقل ولا القرآن... فالمشكلة أن أغلب الناس لا علم لهم بحدود حجية الروايات ولا بطبيعة الاستدلال بها ولا ثقافة لهم بكتاب الله، مع ذلك يجادلون {بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}…
تحويل المُدَّنس الى مُقدَّس
من أكبر الجرائم الفكرية التي تمارسها البشرية بشكل طبيعي عبر كل تأريخها هي تحويل المُدَّنس الى مُقدَّس ، وهذا الأمر ليس في الدين فقط ،بل في السياسة والإجتماع أيضاً ، ففي السياسة مثلاً تحوّل الزعامات السياسية الدكتاتورية إلى خطوط حمراء يُحرم المَساس بها حتى تجعلهم رموز مُقدَّسه مُحصّنة من النقد والمعارضة والمساءلة والمحاسبة ، وفي الإجتماع تحوّل العادات والتقاليد والقبيلة الى خطوط حمراء وسُلطة قيمية مُهيّمنة على تعريف الأخلاق رغم أن القبيلة متورطة بكل اشكال الذنوب والعادات والتقاليد مصنوعة من الذنوب القديمة وهكذا تذهب الى تحويل سَلاطين تاريخيين أقاموا حُكمهم على الظلم والبطش والإستعباد والتآمر والقهر ، الى رموز دينية…